كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والظاهر أنه عموم في كل ما يدعون، وإذا كان عمومًا، لم يكن سلام بدلًا منه.
وقيل: سلام خبر لما يدعون، وما يدعون مبتدأ، أي ولهم ما يدعون سلام خالص لا شرب فيه، وقولًا مصدر مؤكد، كقوله: {ولهم ما يدعون سلام} أي عدة من رحيم.
قال الزمخشري: والأوجه أن ينتصب على الاختصاص، وهو من مجازه. انتهى.
ويكون لهم متعلقًا على هذا الإعراب بسلام.
وقرأ محمد بن كعب القرظي: {سلم} بكسر السين وسكون اللام، ومعناه سلام.
وقال أبو الفضل: الرازي: مسالم لهم، أي ذلك مسالم.
وقرأ أبيّ، وعبد الله، وعيسى، والقنوي: {سلامًا} بالنصب على المصدر.
وقال الزمخشري: نصب على الحال، أي لهم مرادهم خالصًا.
{وامتازوا اليوم} أي انفردوا عن المؤمنين، لأن المحشر جمع البر والفاجر، فأمر المجرمون بأن يكونوا على حدة من المؤمنين.
والظاهر أن ثم قولًا محذوفًا لما ذكر تعالى ما يقال للمؤمنين في قوله: {سلام قولًا من رب رحيم} قيل: ويقال للمجرمين: {امتازوا}.
ولما امتثلوا ما أمروا به، قال لهم على جهة التوبيخ والتقريع: {ألم أعهد إليكم}؟ وقفهم على عهده إليهم ومخالفتهم إياه.
وعن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى، فعلى هذا معناه أن بعضهم من بعض.
وعن قتادة: اعتزلوا عن كل خير.
والعهد: الوصية، عهد إليه إذا وصاه.
وعهد الله إليهم: ما ركز فيهم من أدلة العقل، وأنزل إليهم من أدلة السمع.
وعبادة الشياطين: طاعته فيما يغويه ويزينه.
وقرأ الجمهور: {أعهد} بفتح الهمزة والهاء.
وقرأ طلحة، والهذيل بن شرحبيل الكوفي: بكسر الهمزة، قاله صاحب اللوامح، وقال لغة تميم، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين حروف المضارعة، يعني: نعهد وتعهد.
وقال ابن خالويه: ألم أعهد؛ يحيى بن وثاب: ألم أحد، تميم.
وقال ابن عطية: وقرأ الهذيل ابن وثاب: {ألم أعهد} بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء، وهي على لغة من كسر أول المضارع سوى الياء.
وروي عن ابن وثاب: ألم أعهد، بكسر الهاء، يقال: عهد يعهد. انتهى.
وقوله: بكسر الميم والهمزة يعني أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة، لأن الحركة التي في الميم هي حركة نقل الهمزة المكسورة، وحذفت الهمزة حين نقلت حركتها إلى الساكن قبلها وهو الميم.
اعهد بالهمزة المقطوعة المكسورة لفظًا، لأن هذا لا يجوز.
وقال الزمخشري: وقرئ {أعهد} بكسر الهمزة، وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء؛ وأعهد بكسر الهاء.
وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم، وضرب يضرب، وأحهد بالحاء وأحد، وهي لغة تميم، ومنه قولهم: دحا محا. انتهى.
وقوله: إلا في الياء، لغة لبعض كلب أنهم يكسرون أيضًا في الياء، يقولون: هل يعلم؟ وقوله: دحا محا، يريدون دعها معها، أدغموا العين في الحاء، والإشارة بهذا إلى ما عهد إليهم معصيه الشيطان وطاعة الرحمن.
وقرأ نافع، وعاصم: {جبلًا} بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وهي قراءة أبي حيوة، وسهيل، وأبي جعفر، وشيبة، وأبي رجاء؛ والحسن: بخلاف عنه.
وقرأ العربيان، والهذيل بن شرحبيل: بضم الجيم وإسكان الباء؛ وباقي السبعة: بضمها وتخفيف اللام؛ والحسن بن أبي إسحاق، والزهري، وابن هرمز، وعبدالله بن عبيد بن عمير، وحفص بن حميد: بضمتين وتشديد اللام؛ والأشهب العقيلي، واليماني، وحماد بن مسلمة عن عاصم: بكسر الجيم وسكون الباء؛ والأعمش: جبلًا، بكسرتين وتخفيف اللام.
وقرئ: {جبلًا} بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام، جمع جبلة، نحو فطرة وفطر، فهذه سبع لغات قرئ بها.
وقرأ علي بن أبي طالب وبعض الخراسانيين: {جيلًا} بكسر الجيم بعدها ياء آخر الحروف، واحد الأجيال؛ والجبل بالباء بواحدة من أسفل الأمة العظيمة.
وقال الضحاك: أقله عشرة آلاف.
خاطب تعالى الكفار بما فعل معهم الشيطان تقريعًا لهم.
وقرأ الجمهور: {أفلم تكونوا} بتاء الخطاب؛ وطلحة، وعيسى: بياء الغيبة، عائدًا على جبل.
ويروى أنهم يجحدون ويخاصمون، فيشهد عليهم جيرانهم وعشائرهم وأهاليهم، فيحلفون ما كانوا مشركين، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم.
وفي الحديث: «يقول العبد يوم القيامة: إني لا أجيز عليّ شاهد إلا من نفسي فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقال: بعدًا لكنّ وسحقًا، فعنكنّ كنت أناضل».
وقرئ: {يختم} مبنيًا للمفعول، و{تتكلم أيديهم} بتاءين.
وقرئ: {ولتكلمنا أيديهم} و{لتشهد} بلام الأمر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة.
وروي عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ: {ولتكلمنا أيديهم} {ولتشهد} بلام كي والنصب على معنى: وكذلك يختم على أفواهم.
والظاهر أن الأعين هي الأعضاء المبصرة، والمعنى: لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون، قاله الحسن وقتادة، ويؤيده مناسبة المسخ، فهم في قبضة القدرة وبروج العذاب إن شاءه الله لهم.
وقال ابن عباس: أراد عين البصائر، والمعنى: ولو نشاء لختمت عليهم بالكفر فلا يهتدي منهم أحد أبدًا.
والطمس: إذهاب الشيء وأثره جملة حتى كأنه لم يوجد.
فإن أريد بالأعين الحقيقة، فالظاهر أنه يطمس بمعنى يمسخ حقيقة، ويجوز أن يكون الطمس يراد به العمى من غير إذهاب العضو وأثره.
وقرأ الجمهور: {فاستبقوا} فعلًا ماضيًا معطوفًا على {لطمسنا} وهو على الفرض والتقدير.
والصراط منصوب على تقدير إلى حذفت ووصل الفعل، والأصل فاستبقوا إلى الصراط، أو مفعولًا به على تضمين استبقوا معنى تبادروا، وجعله مسبوقًا إليه.
قال الزمخشري: أو ينتصب على الظرف، وهذا لا يجوز، لأن الصراط هو الطريق، وهو ظرف مكان مختص.
لا يصل إليه الفعل إلا بوساطة في إلا في شذوذ، كما أنشد سيبويه:
لدن بهز الكف يعسل متنه ** فيه كما عسل الطريق الثعلب

ومذهب ابن الطراوة أن الصراط والطريق والمخرم، وما أشبهها من الظروف المكانية ليست مختصة، فعلى مذهبة يسوع ما قاله الزمخشري.
وقرأ عيسى: {فاستبقوا} على الأمر، وهو على إضمار القول، أي فيقال لهم استبقوا الصراط، وهذا على سبيل التعجيز، إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين.
{فأنى يبصرون} أي كيف يبصر من طمس على عينه؟ والظاهر أن المسخ حقيقة، وهو تبديل صورهم بصور شنيعة.
قال ابن عباس: {لمسخناهم} قردة وخنازير، كما تقدم في بني إسرائيل؛ وقيل حجارة.
وقال الحسن، وقتادة، وجماعة: لأقعدناهم وأزمناهم، فلا يستطيعون تصرفًا.
والظاهر أن هذا لو كان يكون في الدنيا.
وقال ابن سلام: هذا التوعد كله يوم القيامة.
وقرأ الحسن: {على مكانتهم} بالافراد، وهي المكان، كالمقامة والمقام.
وقرأ الجمهور، وأبو بكر: بالجمع.
والجمهور: {مضيًا} بضم الميم: وأبو حيوة، وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي: بكسرها اتباعا لحركة الضاد، كالعتبى والقتبى، وزنه فعول.
التقت واو ساكنة وياء، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكسر ما قبلها لتصح الياء.
وقرئ: {مضيًا} بفتح الميم، فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل، كالرسيم والوجيف.
ولما ذكر تعالى الطمس والمسخ على تقدير المشبه، ذكر تعالى دليلًا على باهر قدرته في تنكيس المعمر، وأن ذلك لا يفعله إلا هو تعالى.
وتنكيسه: قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولًا، وهو أنه خلقه على ضعف في جسد وخلو من عقل وعلم، ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال، إن أن يبلغ أشده وتستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه.
فإذا انتهى نكسه في الخلق، فيتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبا في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من الفهم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله، وفي هذا كله دليل على أن من فعل هذه الأفاعيل قادر على أن يطمس وأن يفعل بهم ما أراد.
وقرأ الجمهور: {ننكسه} مشددًا؛ وعاصم، وحمزة: مخففًا.
وقرأ نافع، وابن ذكوان، وأبو عمرو في رواية عباس: تعقلون بتاء الخطاب؛ وباقي السبعة: بياء الغيبة.
{وما علمناه الشعر} الضمير في علمناه للرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يقولون فيه شاعر.
وروي أن القائل عقبة بن أبي معيط، فنفى الله ذلك عنه، وقولهم فيه شاعر.
أما من كان في طبعه الشعر، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر؛ وأما من ليس في طبعه، فقوله جهل محض.
وأين هو من الشعر؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده، فضلًا عن إنشائه: وكان عليه السلام لا يقول الشعر، وإذا أنشد بيتًا أحرز المعنى دون وزنه، كما أنشد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك من لم تزود بالأخبار

وقيل: من أشعر الناس، فقال الذي يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقا ** وجدت بها وإن لم تطيب طيبًا

أتجعل نهبي ونهب العبيد ** بين الأقرع وعيينة

وأنشد يومًا:
كفى بالاسلام والشيب ناهيًا

فقال أبو بكر وعمر: نشهد أنك رسول الله، إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام، وربما أنشد البيت متزنًا في النادر.
وروي عنه أنشد بيت أبن رواحة:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

ولا يدل إجراء البيت على لسانه متزنًا أنه يعلم الشعر، وقد وقع في كلامه عليه السلام ما يدخله الوزن كقوله:
«أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب»
وكذلك قوله:
«هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت»
وهو كلام من جنس كلامه الذي كان يتكلم به على طبيعته، من غير صنعة فيه ولا قصد لوزن ولا تكلف.
كما يوجد في القرآن شيء موزون ولا يعد شعرًا، كقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء، ولا يسمى ذلك شعرًا، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر.
{وما ينبغي له} أي ولا يمكن له ولا يصح ولا يناسب، لأنه عليه السلام في طريق جد محض، والشر أكثره في طريق هزل، وتحسين لما ليس حسنًا، وتقبيح لما ليس قبيحًا ومغالاة مفرطة.
جعله تعالى لا يقرض الشعر، كما جعله أميًا لا يخط، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض.
وقيل: في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر، وقد قال عليه السلام: «ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي» وذهب قوم إلى أنه لا غضاضة فيه، وإنما منعه الله نبيه عليه الصلاة والسلام.
وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن من قبله أغرب، فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن: هذا من تلك القوة.
قال ابن عطية: وليس الأمر عندي كذلك، وقد كان عليه السلام من الفصاحة والبيان في النثر في الرتبة العليا، ولكن كلام الله يبين بإعجازه ويندر بوصفه، ويخرجه إحاطة علم الله عن كل كلام؛ وإنما منع الله نبيه من الشعر ترفيعًا له عن ما في قول الشعراء من التخييل والتزويق للقول.
وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين، فما هو بقول شاعر، وهذا كان أسلوب كلامه، عليه السلام، وقولًا واحدًا. انتهى.
والضمير في له للرسول، أي وما ينبغي الشعر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن، أي وما ينبغي الشعر للقرآن، ولم يجر له ذكر، لكن له أن يقول: يدل الكلام عليه، ويبينه عود الضمير عليه في قوله: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} أي كتاب سماوي يقرأ في المحاريب، وينال بتلاوته والعمل به ما فيه فوز الدارين.
فكم بينه وبين الشعر الذي أكثره من همزات الشياطين؟ وقرأ نافع، وابن عامر: {لتنذر} بتاء الخطاب للرسول؛ وباقي السبعة: بالياء للغيبة، فاحتمل أن يعود على الرسول، واحتمل أن يعود على القرآن.
وقرأ اليماني: {لينذر} بالياء مبنيًا للمفعول، ونقلها ابن خالويه عن الجحدري.
وقال عن أبي السمال واليماني أنهما قرآ: لينذر، بفتح الياء والذال مضارع نذر بكسر الذال، إذا علم بالشيء فاستعد له.
{من كان حيًا} أي غافلًا، قاله الضحاك، لأن الغافل كالميت؛ ويريد به من حتم عليه بالإيمان، وكذلك قابله بقوله: {ويحق القول} أي كلمة العذاب، {على الكفارين} المحتوم لهم بالموافاة على الكفر. اهـ.